Translate

الثلاثاء، 19 مايو 2020

مقتطف من مذكرات مخبأة



مايو ٢٠١٧

مقتطف من مذكرات مخبأة
(١)
 
رحلة البحث عن غايتنا على وجه الكرة الأرضية يبدأ منذ نعومة أظفارنا ومع كل مرحلة عمرية تنكشف أوجه هذا العالم الذي نعيش فيه رغم تكرار بعض الصور إلا إننا في وقتٍ مُبكر لا نعي ما يحصل حتى تنغمس أرجلنا بالوحل فتتضح الصورة أكثر 
كنت قد بدأت هذه السطور لأدون أفكاري لشيء آخر فوجدتني أثرثر مع القلم عن شيء لا صلة له بما نويت 
إن القلم يفضح كل ما نجيد كتمانه 
لهذا أنا في صراعٍ دائم مع القلم 
ماذا أنشر؟ 
كيف أبدأ؟ 
ولماذا أفعل ذلك؟ 
صوتي الداخلي يقول لابد من البداية ولكن هناك عقبات وهمية أُدرك سرابها ولكني بجبن أختار أن أصدقها 
فالقلم يفضح كثيرا 
يفضح بلا رادع 
كنت أظن إنه من الصعب أن أملأ صفحات دفتر من الغلاف إلى الغلاف وها أنا قد تعديت نصف المذكرة 
يتبع


مقتطف من مذكرات مخبأة 
(٢)

ها أنا أُكمل السطور بعد يومين وكم صارت أيامنا تحمل من الأحداث كأن دهرا يمضي على كل يوم 
أشعر بوخز في إحدى غرف القلب وفضلت أن أمسك القلم لأعرف ما بي 
صمتٌ يخيم علي كالهدوء الذي يسبق العاصفة 
منذ وصولي ولم أُهدي حروفي لهذه المدينة التي منحتني الكثير في السابق والتي لطالما فاجئتني مع كل زيارة 
الآن صرت أسكن أضلعها 
وضعتني قرب قلبها لا أعرفها 
في العمق تماما غير مكترثة بالأعوام التي قضيتها في كنف شقيقتها 
غير آبهة بكل التجارب التي مرت على ذاكرتي 
تفرض علي أن أبدأ من جديد بأول الخطوات الصغيرة 
كطفل جاء يتعلم المشي من جديد 
أنا التي كنت أظن إني قد بدأت المشي واقتربت من الهرولة 
هكذا فقط على وهلة سريعة عُدت أحبو من جديد 
لتعلمني هذه المدينة على طريقتها كيف يمشي العشاق فيها ولماذا يتغزل الشعراء بالحب في كنفها 
لتجيب على أسئلتي كلها وأنا أسير على أرصفتها كل صباح ومساء 
سرها في ازدحامها الوحيد 
المليء بأشباه البشر 
تمنحني فرصة اكتشاف كل القشور التي تغطي أرضها 
وتفتح لي آفاقا لأعايش سكانها 
بكل ألوانهم وأقنعتهم 
لأكون مثلهم أو أن أختار تجنب طبعهم 
هنا الإنسان يصبح مثل غصن الشجرة التي أقف بجانبها انزع عنها بعض قشرتها كل صباح وأنا انتظر الحافلة 
الإنسان هنا كذلك يتراكم على غصنه قشور الأيام 
وعلى الأرض يزرع جذوره 
هناك من هم سطحيين في كل شيء حتى في الحياة يقتصر العمر عندهم على اللهو واللعب والأكل والشرب والشراء وهكذا يتخيلون بقية البشر بنفس سطحيتهم 
وهناك من يعيشون في العمق صامتين 
يطمحون ويسعون من دون مغامرة الحديث 
وهناك من كبلتهم الأيام بالأصفاد ورسمت خطوطا وحدودا لأحلامهم وطموحهم،،، لا تفارقهم الدمعة مع كل نزلة برد تصيبهم 
لكل من يستمع لبوحي صمتا أدرك إني ابتعدت كثيرا محاولة أن أسمح لهذه الأيام أن تمنحني نفسي قبل أن يحاول إهدائها لي الآخرون 
إني مبعثرة بعض الشي كهذه الحروف التي اكتبها

.... يُتبع 

صفحة جديدة من المذكرة

(٣)


سأبدأ في صفحة جديدة دون محاولة خلق كلمات مبطنة بالرسائل 
لقد مرت فترة طويلة من شبه الانعزال هذا وكأنني أهرب من شيء ما كان يطاردني رغبة بهدوء لا ينقطع 
وجدت إن الصخب يزداد في داخلي رغم محاولة الانقطاع عن مظاهر الاتصال بالعالم الخارجي
 ومع هذا أظن إني وجدت ما كنت أبحث عنه 
كنت أتجنب بهرجة القول في مثل هذه المناسبات التي تصادفنا عندما ننتقل من مرحلة لأخرى 
كالتخرج أو العمل أو الزواج 
دائما تصاحب هذه المناسبات مشاعر ممزوجة والكل يتهافت إليك لتأكيد نظرياته 
أردت أن أمنح ذاتي ذلك الهدوء في هذه المرحلة التي أجد نفسي فيها بحاجة لكثير من الحذر على الزمن
 أن أكون أكثر انتباهً على سرعة جريان الأيام بزهو عابر لا نستوعبه 
شعرت برغبة جامحة أن ابتعد عن ما يُفترض علينا ولا يجب 
عن كل الأسئلة المرفقة لماذا ؟وإلى متى ؟ وكيف؟ 
التي لا إجابة لي عليها غير راغبة بذلك 
وها قد مرت فترة كافية جعلتني استوعب موطئ قدماي ومنحتني فرصة النظر إلى الأمام 
للمسير الذي قد أخطوه لاحقا 
أنا هنا الآن وهذا كل ما أعرفه 
وهذا كل ما أريد التركيز فيه٠٠٠ 

ديانة العلم





*****
قضيت أغلب هذا الأسبوع في مدينة عتيقة
مقدسة بالعلم ولا زائر على وجه الأرض أنكر قدسيتها 
كانت زيارتي الثانية لهذه المدينة لحدث علمي يركز في علوم الإنسان تمتد لثلاثة أيام ساحرة
كان يتردد في ذهني وأنا أناظر في وجوه الناس رغم أنهم غرباء ولكن لغة العلم تحف المكان 
طبيعيٌ جدا أن تقلب وجهك وتبتسم فيجاذبك أحد طرف الحديث ويسرق آخر بقية ابتسامتك كل هذا كان عاديا جدا ولكن ما أبهرني أكثر كيف إن للناس حينها دين يؤمنون به يوحدونه هو العلم المطلق
الكل يستمع للآخر بآذان صاغية 
بدون مقاطعة الأحاديث 
ونقاشات مطولة تمتد في سلسلة الثلاث أيام عن موضوع يتملك شغفك كفيل بأن يبقيك في ذهول تتأمل كيف لهذا العالم اتساع أعمق مما نتخيله
هل يجوز لي أن أبرر السحر ببركة حضور الملائكة وجوانحها التي كانت تحفنا في كل الجلسات 
لا دين غير العلم 
والكل هنا يحتمل الصواب
لا اختلاف لا يشملنا
كلنا تحت سقف واحد نعيش قدسية المكان 
هذا إذن ما يعني أن تكون باحثا في سبيل الحق 
جعلتني هذه الأيام أن أتعمق فيني 
قصاصات الورق التي أوجدتها لأكثر من عقدين من عمري لأصل هنا اليوم
رسالتي التي أقنعتني علي أن انحرف عن عاطفتي كثيرا لتصل الرسالة
هذه المحطة التي مكثت فيها لعامين وأوشك على إكمال الثالثة طالت بما يكفي ولازلت بانتظار 
جواز العبور لقادم أصعب وغير ذلك لا شئ اعتد به 
من أنا ؟
وأين أنا ذاهبة؟

#مذكراتـبثينة