ظلمتني أيها القلم بغيابك
تركتني أتلوى قهرا وانكوي شوقا بلا بوح لشهرٍ وبضع ليالِ
أعاتبك عتاب طفلٍ تُرك على الرصيف وحيداًوسط الزحام
لا يعرف سبيلاً بديلاً عنك ولا يُبصر مسكنه
هكذا تركتني بصومك عن البوح طوال هذه الليال
وأخيرا عدت لي ليعود الهواء النقي بمجرى تنفسي
لينبض قلبي من جديد ببوح يختزل كل الهواجس والأحاسيس
حزينة أنا بلا قلم
يتيمة أنا بدونك
أتذكر تلك المدينة التي أجهشتك دائما بالبكاء فرحا أو حزنا
أتذكر مفاجآتها
وجمالها
وأسرارها
وكل الهدايا على هيئة البشر
قبل السفر أخبرتك عن مقصدي
كنا قد تعاهدنا أن نرحل سويا بهدوء السماء
وأن يبقى الوصل بيننا كما تزقزق العصافير كل صباح
وما إن وصلنا هذه المدينة غادرتني
وتركت لي مذكرتي بسطور فارغة
وأشلاء مني مبعثرة
قطعة من قلبي رافقتني وبعد أسبوعٍ رحلت
فزرتني ليلتها ثم رحلت ثانية
وقطعٌ أخرى كنت قد رتبتها بين أوراق الكتب فضيعتها عمدا رغما عني
وهكذا بقيت أنا و السطور الفارغة نطالع صخب هذه المدينة بمن فيها ولا سبيل لنا للحوار فلا قلمٌ ولا حبرٌ يترجمنا
عدت الآن وربما قد يكون فات الأوان
ومع هذا سعيدة أنا بغيابك عني
أعاتبك من فرط المحبة ولكني ممتنة لهجرانك
فقد أدركت الآن بعد غيابك إن الكتابة هي شهيقي وزفيري
وأخيرا أدركت لماذا أكتب؟!
ومال الذي يدفعني للكتابة
إنها ليست هواية ولا مهارة
إنها إحدى الحواس التي وهبني الله بها
كمتنفس من فرط الأحاسيس التي اكتمها
كنت دائما أنكر إني اسمع دبيب النمل في حزني
لم أكن أريد أن اعترف إني أبالغ كثيرا بمشاعري في كل شيء
كنت أظن إنها من المحرمات أن أشعر بعمق يدفعني للبكاء على نسيم الصيف أو على أمطار الشتاء في هذا الفصل الجاف
كنت أظن إنه عار علينا أن نشعر بهذا القدر المبالغ من الحساسية
لم أكن أرغب أبدا أن أعترف إني من قوم المسرفين
لكنها حقيقة لا يمكن نكرانها
ظني كان خاطئا فليس الحب ممنوعا ولا الحزن منبوذا
ولكن هذا الزمن عجول جدا
لا يتسع للمرهفين
فالوقت يمضي ويقتل كل من يغني بصوت عالٍ عن الحياة
يبدو إن الدنيا ستظل تمضغنا طويلا لنظل أنا وأنت نخط الحروف وننسج الكلمات
إلى حين ولادة كتابٌ يُنصفنا
إننا لسنا عار على قوم أحد
وإننا لسنا عار على هذا البلد