هنا
كنا
حيث
يجرون
حقائبهم
كان
لقائنا
"وما أحلى اللقيا بلا ميعاد"
أصوات السفر تهيج جروحنا بين هرولة إمراة وضمة أبٍ لابنه لرحلة قطار بتذكرة ذهاب بلا عودة
وأنا افترشت الأرض أتأمل مقصدي على شاشة الاستعلامات أبحث عن حروف مدينتي التائهة
حروف المدينة صفراء كوجهي الشاحب ينتظر متى تظهر الأرقام لأدل دربي
المواعيد والساعات كلها ترسم ملامح الأيام
من أين نبدأ وكيف نبدأها وكم من الوقت ستجري بنا الأيام حتى نقصدها!.
أنقصد الأيام عندما تكون الأهداف كحروف المدينة وِجّهة معلومة وبمصير مجهول؟!
يقاطعني عابر سبيلٍ فأصمت لوهلة هو ينادي : أختي لو سمحتي هل تتحدثين العربية أتلعثم وأنا أجيبه بحروفي العربية في مخيلتي فقط
ولكن لساني يتأتئ بحروف انجليزية أقول نعم ثم أُصَحِحُ ما نطقت وأقول بالعربية :نعم أخي!
آااه ماذا فعلت بي سنين الغربة!!
هو يكلمني ويحلف بالله يبرر ظروفه يقول لي رأيت رجل ملتحي سلمت عليه فلم يرد سلامي
،اقسم بالله يا أختي وهو يغمض عينيه وكأنه يهرب مني أن لا أكتشف حقيقته وفي قلبي أقول لا عليك سأصغي إليك حتى وإن لم أأمنك فلي ربٌ يحفظني منْ مَن لم نعد نفرق في أحاديث أعينهم إن كنا نستطيع أن نأمنهم قولا وبوحا من الروح لتفريج ضائقة
قل يا هذا ولا تتلعثم ولكني أحاوره في نفسي فقط وأصغي
قال لي إن لم تأمني سؤالي بإمكانك أن تسألي مكتب الاستعلامات هناك ويشير بإصبعه لشمالي ولكني لا أزيح نظري إلا لأصابعه وصار يكمل وأنا أناظر أصابعه وأظافره المتسخة بغبار الأيام والسؤال
يقولُ لي : سألتهم رحلة القطار وجهتي لمدينة فيتأتأ مرة ومرة ثانية فينطقها ولكنها ليست مدينتي ، تلك وجهتي يا أختي ولكن تذكرة القطار غالية
أسألك بالله يا أختي قيل رحلة الحافلة مقدورٌ عليها فهل لكِ أن تكمل كسور المبلغ لأرحل عنكِ وأكف عن ازعاجك
وأنا لازلت أناظر مرةً عينيه ومرةً أصابعه المتسخة وهو يحمل شيئا من المال ليثبت أن الذي يملكه يسير من ما يريده
قلت له لا عليك لست تزعجني غير إنك الآن دخلت بين الحروف التي اكتبها ولكنها كانت في نفسي فقط مرة ثانية
فتحت حقيبتي ولسان حالي يقول سأكتفي هنا عن رواية ما جرى مع عابر السبيل ولكن سأروي كل ما تبادر في ذهني
رحل عني عابر السبيل وهو يمسح بوجهه ويسألني أتريدين أن أساعدك يشير لحقيبتي فأشكره ليرحل
وأعود لحروفي ....
هل النقود تأخذنا لمقاصدنا؟
هل النقود تحدد من نكون في هذه الدنيا الفانية؟
هل النقود ترسم بقية ملامح الصور المبهمة؟
أهذا كل ما نلهث لأجله؟
ثم أتذكر أياماً مضت
كيف كانت النقود تحدد مدة رحلتي لمدينتي الصفراء
تذكرت كيف كانت النقود تلهي النفس عن غربة تربعت قلبي لسنين طويلة
تذكرت الكثير من ما تفعله النقود بحياتنا
وتذكرت النقود التي نشتريها لنشتري بها ذكرياتنا
النقود تفعل الكثير ولكنها لا تفعل كل شيء
ثم أتذكر سؤاله أأساعدك وهو يشير لحقيبتي أيا عابر السبيل جُل كربتي ليست في حقيبتي كي تساعدني
همي الذي أحمله ليس في حقيبتي
همي في ما تبقى من عمري كيف سأفنيه وأنا راحلة
هل سأجد عابرا غيرك يسألني؟!
هل سأجد بيتا جديدا يحتويني؟!
يكفي تسائلت كثيرا
سأحتفظ ما تبقى في الروح لأشكو به خالقي
ولكن سأحكي عن ملامح المدينة التي غادرتها وأنا في رحلة القطار الآن
هذه المدينة مع كل زيارة لا تكف عن مفاجئتي
أعود منها أحيانا وعيناي تغرق بالدموع إما حزنا وإما فرحا واليوم مشاعري مختلطة لا أعلم أمن الحزن أبكي أم من شدة الفرح!!
في كل مرة أأتيك تهدين لي شيئا ثمينا للذاكرة
وتخطين في مذاكرتي مئات الحروف
وتمنحين لي صديقا وتسلبين آخرَ
سحرك أيتها المدينة حير آلاف الشعراء قبلي فكيف بي أنا التي اعتادت فقط أن تخط خاطرة
كيف لقلمي الرصاص استيعاب كل تفاصيلك الساحرة
رحلة القطار الطويلة
سكة الحديد
حقائب السفر
صوت المنادي
صوت الجرس
حديث المحبين
أصوات كعب الأحذية
خلخال السيدة
رنين الهاتف
نحيب الباكي
فنجان القهوة
رائحة المتاحف
صفحات الكتب القديمة
عملات النقود الثمينة
خيوط العصور القديمة
وعصفورة الشجن
كلها أصوات السفر تعود بي لتلك الذاكرة لتلك الرحلة التي كدت أن أغادرها وحيدة ولكنك شاركتني فيها وبعدها رحلت إلى الأبد
رحلت بلا عودة ومنحتني حروفي التي غادرتني بعد أعوامٍ من اكتواء الروح بلا كتابة
ستبقى تلك الرحلة في الذاكرة في كل رحلة تبدأ من هنا
ستظل دائما في الذاكرة
شكرا أيها المجهول
وشكرا لتلك الصدف التي تأتي على غفلة تهدينا معادن ثمينة من البشر كنا نجهلها ونتردد هل نحاورها نصمت طويلا ولكن تهدينا إياهم الأقدار هم هدايا الرحمن في أمس حاجتنا
وشكرا لكِ مدينة الضباب ولكل تفاصيلك الساحرة🌹