Translate

الأربعاء، 16 أغسطس 2017

إلى مدينتي التائهة




هنا كنا حيث يجرون حقائبهم كان لقائنا
"وما أحلى اللقيا بلا ميعاد"
أصوات السفر تهيج جروحنا بين هرولة إمراة وضمة أبٍ لابنه لرحلة قطار بتذكرة ذهاب بلا عودة
وأنا افترشت الأرض أتأمل مقصدي على شاشة الاستعلامات أبحث عن حروف مدينتي التائهة
حروف المدينة صفراء كوجهي الشاحب ينتظر متى تظهر الأرقام لأدل دربي 
المواعيد والساعات كلها ترسم ملامح الأيام 
من أين نبدأ وكيف نبدأها وكم من الوقت ستجري بنا الأيام حتى نقصدها!.
أنقصد الأيام عندما تكون الأهداف كحروف المدينة وِجّهة معلومة وبمصير مجهول؟! 
يقاطعني عابر سبيلٍ فأصمت لوهلة هو ينادي : أختي لو سمحتي هل تتحدثين العربية أتلعثم وأنا أجيبه بحروفي العربية في مخيلتي فقط 
ولكن لساني يتأتئ بحروف انجليزية أقول نعم ثم أُصَحِحُ ما نطقت وأقول بالعربية :نعم أخي!

آااه ماذا فعلت بي سنين الغربة!! 

هو يكلمني ويحلف بالله يبرر ظروفه يقول لي رأيت رجل ملتحي سلمت عليه فلم يرد سلامي 
،اقسم بالله يا أختي وهو يغمض عينيه وكأنه يهرب مني أن لا أكتشف حقيقته وفي قلبي أقول لا عليك سأصغي إليك حتى وإن لم أأمنك فلي ربٌ يحفظني منْ مَن لم نعد نفرق في أحاديث أعينهم إن كنا نستطيع أن نأمنهم قولا وبوحا من الروح لتفريج ضائقة
قل يا هذا ولا تتلعثم  ولكني أحاوره في نفسي فقط وأصغي 
قال لي إن لم تأمني سؤالي بإمكانك  أن تسألي مكتب الاستعلامات هناك ويشير بإصبعه لشمالي ولكني لا أزيح نظري إلا لأصابعه وصار يكمل وأنا أناظر أصابعه  وأظافره المتسخة بغبار الأيام والسؤال 

يقولُ لي : سألتهم رحلة القطار وجهتي لمدينة فيتأتأ مرة ومرة ثانية فينطقها ولكنها ليست مدينتي ، تلك وجهتي يا أختي ولكن تذكرة القطار غالية 
أسألك بالله يا أختي قيل رحلة الحافلة مقدورٌ عليها فهل لكِ أن تكمل كسور المبلغ لأرحل عنكِ وأكف عن ازعاجك 

وأنا لازلت أناظر مرةً عينيه ومرةً أصابعه المتسخة وهو يحمل شيئا من المال ليثبت أن الذي يملكه يسير من ما يريده 

قلت له لا عليك لست تزعجني غير إنك الآن دخلت بين الحروف التي اكتبها  ولكنها كانت في نفسي فقط مرة ثانية
فتحت حقيبتي ولسان حالي يقول سأكتفي هنا عن رواية ما جرى مع عابر السبيل ولكن سأروي كل ما تبادر في ذهني 
رحل عني عابر السبيل وهو يمسح بوجهه ويسألني أتريدين أن أساعدك يشير لحقيبتي فأشكره ليرحل 
وأعود لحروفي ....
هل النقود تأخذنا لمقاصدنا؟ 
هل النقود تحدد من نكون في هذه الدنيا الفانية؟
هل النقود ترسم بقية ملامح الصور المبهمة؟
أهذا كل ما  نلهث لأجله؟
ثم أتذكر أياماً مضت 
كيف كانت النقود تحدد مدة رحلتي لمدينتي الصفراء 
تذكرت كيف كانت النقود تلهي النفس عن غربة تربعت قلبي لسنين طويلة

تذكرت الكثير من ما تفعله النقود بحياتنا
وتذكرت النقود التي نشتريها  لنشتري بها ذكرياتنا
النقود تفعل الكثير ولكنها لا تفعل كل شيء 

ثم أتذكر سؤاله أأساعدك وهو يشير لحقيبتي أيا عابر السبيل جُل كربتي ليست في حقيبتي كي تساعدني 
همي الذي أحمله ليس في حقيبتي 
همي في ما تبقى من عمري كيف سأفنيه وأنا راحلة
هل سأجد عابرا غيرك يسألني؟!
هل سأجد بيتا جديدا يحتويني؟!
يكفي تسائلت كثيرا 
سأحتفظ ما تبقى في الروح لأشكو به خالقي 

ولكن سأحكي عن ملامح المدينة التي غادرتها وأنا في رحلة القطار الآن 
هذه المدينة مع كل زيارة لا تكف عن مفاجئتي 
أعود منها أحيانا وعيناي تغرق بالدموع إما حزنا وإما فرحا واليوم مشاعري مختلطة لا أعلم أمن الحزن أبكي أم من شدة الفرح!!

في كل مرة أأتيك تهدين لي شيئا ثمينا للذاكرة 
 وتخطين في مذاكرتي مئات الحروف 
وتمنحين لي صديقا وتسلبين آخرَ
سحرك أيتها المدينة حير آلاف الشعراء قبلي فكيف بي أنا التي اعتادت فقط أن تخط خاطرة
كيف لقلمي الرصاص استيعاب كل تفاصيلك الساحرة
رحلة القطار الطويلة
سكة الحديد
حقائب السفر
صوت المنادي
صوت الجرس
حديث المحبين
أصوات كعب الأحذية 
خلخال السيدة 
رنين الهاتف
نحيب الباكي
فنجان القهوة
رائحة المتاحف
صفحات الكتب القديمة
عملات النقود الثمينة 
خيوط العصور القديمة
وعصفورة الشجن
كلها أصوات السفر تعود بي لتلك الذاكرة لتلك الرحلة التي كدت أن أغادرها وحيدة ولكنك شاركتني فيها وبعدها رحلت إلى الأبد
رحلت بلا عودة ومنحتني حروفي التي غادرتني بعد أعوامٍ من اكتواء الروح بلا كتابة 
ستبقى تلك الرحلة في الذاكرة في كل رحلة تبدأ من هنا 
ستظل دائما في الذاكرة
شكرا أيها المجهول 
وشكرا لتلك الصدف التي تأتي على غفلة تهدينا معادن ثمينة من البشر كنا نجهلها ونتردد هل نحاورها نصمت طويلا ولكن تهدينا إياهم الأقدار هم هدايا الرحمن في أمس حاجتنا

وشكرا لكِ مدينة الضباب ولكل تفاصيلك الساحرة🌹

السبت، 12 أغسطس 2017

خريف ٢٠١٦



٢٨ أكتوبر ٢٠١٦

هذا الخريف ليس ككل خريفٍ مضى من قبل
هذا الخريف من دون تساقط الأوراق
هذا الخريف كل شيءٍ فيه معلق
الأوراق
والدموع
والمشاعر
والكلام
كل شيء من دون استثناء
وكأن الأرض توقفت عن الدوران لنبقى على أعتاب الشتاء
ما بين لفحة ريح و نفحة مطر
إلا الذاكرة لا تكف عن التقليب في أوراق الماضي والخوض في ترجمان الصمت الذي نمارسه
بعد أن سئمنا الحديث في المجالس
نطالع فقط تبدل الأحوال والأماكن
كيف كنا
وكيف أصبحنا
وكم فقدنا في غيابنا ونحن لا ندرك حجم الفقد الذي اعترانا
مذهلة هي قدرة الإنسان على التعايش رغم قتامة الحاضر وانهزام الروح بواقع هذا الفقد الذي لن يعوض.

الاثنين، 7 أغسطس 2017

البداية


في الثالثة عشر من عمري اكتشفت إحدى الحواس التي اعبر بها عن ذاتي 
تقابلنا صدفة على قلم رصاص ودفتر 
ومن يومها وأنا في بحرها الهائج ما بين مد وجزر 
حكايتي لم تبدأ هنا ولكن للخوض في عالم الكتابة لابد من ولادة
فاخترت أن يكون هذا منبري
هذه الطفلة تقبع في مكان ما في داخلي
لازالت كما هي متمردة و مشاكسة 
تخرج أحيانا على الورق
تلعب وتلهو ثم تخلد في نوم عميق 
تجدون بعضها و بعضا مني في جنبات هذا المكان


السبت، 5 أغسطس 2017

عتاب القلم


صام القلم وما باح إلا من فرط الهوى ببضع كلمات ورحل
ظلمتني أيها القلم بغيابك
تركتني أتلوى قهرا وانكوي شوقا بلا بوح لشهرٍ وبضع ليالِ

أعاتبك عتاب طفلٍ تُرك على الرصيف وحيداًوسط الزحام 
لا يعرف سبيلاً بديلاً عنك ولا يُبصر مسكنه
هكذا تركتني بصومك عن البوح طوال هذه الليال
وأخيرا عدت لي ليعود الهواء النقي بمجرى تنفسي
لينبض قلبي من جديد ببوح يختزل كل الهواجس والأحاسيس
حزينة أنا بلا قلم 
يتيمة أنا بدونك
أتذكر تلك المدينة التي أجهشتك دائما  بالبكاء فرحا أو حزنا
أتذكر مفاجآتها
وجمالها
وأسرارها
وكل الهدايا على هيئة البشر
قبل السفر أخبرتك عن مقصدي 
كنا قد تعاهدنا أن نرحل سويا بهدوء السماء
وأن يبقى الوصل بيننا كما تزقزق العصافير كل صباح

وما إن وصلنا هذه المدينة غادرتني
وتركت لي مذكرتي بسطور فارغة 
وأشلاء مني مبعثرة 
قطعة من قلبي رافقتني وبعد أسبوعٍ رحلت 
فزرتني ليلتها ثم رحلت ثانية 
وقطعٌ أخرى كنت قد رتبتها بين أوراق الكتب فضيعتها عمدا رغما عني 

وهكذا بقيت أنا و السطور الفارغة نطالع صخب هذه المدينة بمن فيها ولا سبيل لنا للحوار فلا قلمٌ ولا حبرٌ يترجمنا

عدت الآن وربما قد يكون فات الأوان 
ومع هذا سعيدة أنا بغيابك عني
أعاتبك من فرط المحبة ولكني ممتنة لهجرانك 
فقد أدركت الآن بعد غيابك إن الكتابة هي شهيقي وزفيري
وأخيرا أدركت لماذا أكتب؟!
ومال الذي يدفعني للكتابة
إنها ليست هواية ولا مهارة 
إنها إحدى الحواس التي وهبني الله بها
كمتنفس من فرط الأحاسيس التي اكتمها
كنت دائما أنكر إني اسمع دبيب النمل في حزني
لم أكن أريد أن اعترف إني أبالغ كثيرا بمشاعري في كل شيء
كنت أظن إنها من المحرمات أن أشعر بعمق يدفعني للبكاء على نسيم الصيف أو على أمطار الشتاء  في هذا الفصل الجاف
كنت أظن إنه عار علينا أن نشعر بهذا القدر المبالغ من الحساسية
لم أكن أرغب أبدا أن أعترف إني من قوم المسرفين 
لكنها حقيقة لا يمكن نكرانها
ظني كان خاطئا فليس الحب ممنوعا ولا الحزن منبوذا
ولكن هذا الزمن عجول جدا
لا يتسع للمرهفين 
فالوقت يمضي ويقتل كل من يغني بصوت عالٍ عن الحياة
يبدو إن الدنيا ستظل تمضغنا طويلا لنظل أنا وأنت نخط الحروف وننسج الكلمات
إلى حين ولادة كتابٌ يُنصفنا 
إننا لسنا عار على قوم أحد
وإننا لسنا عار على هذا البلد